سياسة تركيا الخارجية تجاه منطقة المشرق العربي ما بعد عام 2002

number: 
1458
عربية
Degree: 
Author: 
بشير هادي عبدالرزاق
Supervisor: 
الاستاذ الدكتور صالح عباس الطائي
year: 
2012

يمثل احتلال العراق وقبل ذلك احتلال افغانستان اللحظة التي تاكدت معها مكانة الولايات المتحدة الامريكية كقوة لا نظير لها عالمياً، وصارت تنسق العلاقات والسياسات الاقليمية في منطقة الشرق الاوسط وفق جدول اهتماماتها واولويات استراتيجيتها، ومن ثم القى ذلك بتاثيراته وتبعاته على الاوضاع الجيوسياسية لمنطقة المشرق العربي وكذلك لتركيا, وعبرت الاخيرة عن اهتماماتها بمنطقة المشرق العربي من منطلق الاستجابة للموقع الجيوسياسي الذي يفرض العناية بالاعتبارات الاقليمية المحيطة كمصدر تهديد للامن القومي او لاقامة علاقات اقتصادية ذات فائدة للصالح الوطني او كمجال للحركة والنفوذ الاقليمي والدولي، وهو ما يتطلب مزيداً من الاهتمام في هذه الاعتبارات لاسيما وان تركيا تعد تقليدياً جزءاً من المنطقة (الشرق الاوسط) بحكم واقعها الجغرافي والتاريخي والثقافي. ومع ان تشديد تركيا على المشاركة في ترتيب اوضاع المنطقة ورسم تطوراتها المستقبلية ليس بالامر المستجد, ولكن الجديد هو المدى الذي ستندفع فيه، والذي لن يقتصر على الجوانب الاقتصادية والسياسية بل قد يتعداه الى الجوانب الامنية ايضاً، خاصة وان تركيا تمثل وضعاً استراتيجياً حساساً، وتتميز بمقدرتها على التعامل مع الدول العربية من خلال مسالك واساليب متنوعة دون المساس بارتباطاتها ومصالحها مع الدول الغربية في سبيل حماية المصالح القومية التركية. وتتوافر الفاعلية لتلك المصالح عبر التزام الرؤية التركية بانتهاج اسلوب براغماتي يتسم بقدر كبير من المرونة وتعدد الخيارات من خلال اقامة علاقات ايجابية وتعاونية بالقدر الذي تستطيع ان تجد لها مكاناً مميزاً في السياسات العربية عموماً، بغض النظر عن فلسفات الحكم السائدة فيها ما دامت تعمل ضمن الاطار المقبول اقليميا ودوليا. وفي هذا الاطار يمثل تجاه تركيا نحو منطقة المشرق العربي بتكييف جديد لما كان من علاقات سابقة وبما يضمن استمرارية تعزيز المصالح الوطنية العليا,لاسيما وان المنطقة تمثل خياراً اقتصادياً وتجارياً يتسم بمزايا ايجابية منها؛ القرب الجغرافي وموارد الطاقة والاسواق الاستهلاكية... لقد اصبحت تركيا تدرك الحاجة الى العثور على التوازن الصحيح بين هذه المصالح وبين الدور الذي ينبغي ان تقوم به في مجمل منطقة الشرق الاوسط ومنه منطقة المشرق العربي في صياغة خياراتها ازاء اية قضية من القضايا الاقليمية، وتتراوح هذه الخيارات بين دور المراقبة الذي لعبته ابان حرب الخليج الاولى الى التدخل العسكري المباشر في شمال العراق وتعقب مقاتلي حزب العمال الكردستاني الى دور الوسيط لتسوية الصراع العربي الاسرائيلي وكذا حث الانظمة الحاكمة في المنطقة لاجراء اصلاحات فيها والاستعداد لتقديم النصح لها في هذا المضمار، بل والاستعداد اليوم للمشاركة في أي جهد دولي يستهدف وجود هذه الانظمة فيما لو تقاعست عن المطلوب منها، سيما وان تركيا باتت مقتنعة بعد نجاح تجربتها الليبرالية الاقتصادية وبنظامها العلماني، ان تقدم نفسها لدول المنطقة كنموذج يصلح للادارة والحكم ويحظى بالقبول الدولي.ويدرك صناع القرار الاتراك ان ما تمتلكه بلادهم من امكانات وخصائص ذاتية وموضوعية لا تقتصر على استقرار النظام السياسي فيها، وانما ايضاً من حيث موقعها الجغراسياسي والحضاري وروابطها الخاصة مع الغرب والولايات المتحدة بوصفها قوة مهيمنة وامكانية تفعيل علاقاتها مع "اسرائيل" في اية لحظة والقدرات العسكرية والاقتصادية المتنامية وثرواتها المائية..الخ. كل ذلك يمنحها مرونة عالية في الحركة والتصرف واختيار البدائل الملائمة لتنفيذ سياساتها الخارجية.