هيأة النزاهة في العراق حكم القانون والبحث عن العدالة

number: 
1789
عربية
Degree: 
Author: 
أحمد حبيب الخبط العباسي
Supervisor: 
الدكتور عمار طارق عبد العزيز العاني
year: 
2014

شهدت المجتمعات الإنسانية منذ أقدم الأزمنة أشكالاَ وأنماطا من الجرائم، لعل ومنها جرائم الفساد المالي والإداري، والتي تناولتها العديد من الكتب السماوية    والوثائق التاريخية.وقد تطورت أساليب الفساد وطرق المفسدين مع تطور الحياة وتغير أساليبها، إذ نرى في العصر الحديث أشكالاَ  من الفساد أخذت تعتمد على تقنيات حديثة واليات متطورة لتحقيق غاياتها. كما أصبح تصدع منظومات القيم وما رافقه من خلل في كفاءة الأنظمة والقوانين وضعف وسائل الردع يشكل سبباَ أخر في تفشي واستمرار ظاهرة الفساد وتفاقمها.وفي العراق أضحت مشاكل الفساد إحدى المتغيرات المهمة في البناء المجتمعي،  بعد سلسلة من الأزمات والحروب والاحتلال ، تركت آثارا مباشرة وغير مباشرة على المؤسسات البنيوية. وتمثل أخطر الظواهر قلقا على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة، بسبب المنحنى التصاعدي الذي ترسمه قضايا الفساد في المؤشرات الوطنية والمحلية.والعراق  كغيره من البلدان  المتحولة، تعرض  وبتأثير عوامل خارجية وداخلية،إلى تحديات هددت البنى المؤسسية  وعمقت  مخاطر التمييز الاجتماعي، وأدت بشكل أو بآخر إلى تصدع في مستوى الأمن الاجتماعي، كما تعرضت إلى تحديات جديدة تمثلت في ارتفاع مستويات الجريمة المنظمة، والفساد (المالي والإداري)،  وجنوح الإحداث، والإدمان على المخدرات، وتجارة الجسد والاستغلال الجنسي وغيرها.إن تلك المظاهر من الانحراف تتميز بطابع الضرر الشامل والممتد، والتي تنعكس سلبا على حياة عامة الناس ومكانة الدولة في المجتمع الدولي ومستقبلها الاقتصادي والسياسي على المدى البعيد. كما تصيب جرائم الفساد (الإداري والمالي) التي تستنزف جزءا كبيرا من الأموال العامة وإيرادات الدولة والمنح والقروض التي  تقدمها الدول المتقدمة والبنوك الدولية، مما يعيق خطط البناء والتنمية ويضر حقوق عامة الناس في أدنى متطلبات الحياة كالصحة والتعليم والغذاء.ولم تعد ظاهرة الفساد بأشكالها المتعددة مقتصرة على بلد من دون آخر بسبب تعدد أنماط وأساليب الفساد (لاسيما في ظل ثورة المعلومات والاتصالات)، كغسيل الأموال الذي يمد أذرعه لبلدان عديدة ليتكامل بالشكل والمضمون  كي يستخدم في تمويل الإرهاب والإضرار باقتصاد تلك الدول وبالتالي يعود بالضرر على البنى والوظائف المؤسسية. ومشاكل الفساد ليست بالظاهرة الجديدة، إذ أنها ترجع إلى عصور ماضية. فقد عثر فريق هولندي من علماء الآثار على قائمة موظفين فاسدين معروفين في الحكومة في موقع في سورية يعود تاريخه الى 3500 سنة مضت.وعلى الرغم من أن تكلفة الفساد ليست متفردة، إلا أنها بشكل خاص ذات تأثير حاد على الأسواق النامية.  فمنذ وقت ليس ببعيد ظهر كم كبير من التحليلات والاهتمامات تركزت على موضوع الفساد ودوره بوجه خاص في الحد من النمو في البلدان النامية. ، بل تمتد لتشمل البلدان المتقدمة أيضا، إذ يلعب الفساد دورا مهما في تراجع الكفاءة الاقتصادية فيها.لقد تفاقمت مظاهر الفساد في العراق بعد عام 2003 بعد أن كان ذلك نمطاَ سلوكياَ خفياَ يمارس بحرفية في مؤسسات الدولة بصورة عامة قبل هذا التاريخ. إذ كان النظام السابق يمارس سلطته التعسفية بشكل واضح ويضع  قوانين رادعة للجرائم والمخالفات ومنها جرائم الفساد. إلا أن تلك العقوبات لم تكن في كثير من الأحيان تحقق الأهداف المنشودة بسبب قرارات ارتجالية سريعة وغير مدروسة منها قانون العفو الخاص والعام.